التجربة الشعرية .
1 ) مفهوم التجربة الشعرية :
هى الخبرة النفسية للشاعر حين يمر بموقف ما أو يواجه موضوعاً ما (موضوع التجربة) فيتأثر به ويندمج فيه بعاطفته وفكره مستغرقاً متأملاً ويعبر عنه بالإطار الشعرى الملائم له ولمّا كان التعبير بالشعر سميت التجربة شعرية .
2 ) أنواع التجربة :
أ ) تجربة ذاتية : وفيها يطيل الشاعر التأمل فى عالمه الخاص به هو
مثل قصيدة "المساء لمطران" و "صخرة الملتقى" لناجى و "الشاعر وصورة الكمال" لعبد الرحمن شكرى .
ب) تجربة عامة "إنسانية" : وهى التى ينتقل الشاعر فيها من إطار عالمه الخاص إلى العالم المحيط به والذى يرتبط به مادياً أو معنوياً أو روحياً
مثل : "كم تشتكى" لإيليا أبو ماضى و "النسور" لمحمد إبراهيم أبو سنة .
جـ) ذاتية تحولت إلى عامة : وهى التى ينفعل فيها الشعر بحدث معين ثم تقوى عاطفته ويشاركه الآخرون ،
مثل قصيدة " غربة وحنين " لشوقى .
3 ) موضوع التجربة :
موضوعات التجربة الشعرية ومجالاتها متعددة .
قد يكون موضوعاً إنسانياً عاماً كمشاهدة الطبيعة ، والقيم الإنسانية الخالدة كالكفاح والحرية .
قد يكون شيئاً ذاتياً عاناه الشاعر بنفسه .
قد يكون أمراً عادياً كالزهرة الذابلة أو الفراشة الهائمة .
قد يستمد الشاعر موضوع التجربة مما يدور حوله فى الحياة السياسية والاجتماعية
قد يستمده من عالم الخيال البعيد عن الواقع
مثل قصيدة الشاعر وصورة الكمال لعبد الرحمن شكرى .
4 ) الصدق فى التجربة :
وهو أن يكون الشاعر صادق الانفعال فى تجربته ، وأن يعبر عما فى نفسه حتى يأتى شعره تعبيراً عن ذاته لا تقليداً لغيره ، والصدق الفنى يمنح الشاعر حيوية الأداء وحرارة العاطفة وقوة التأثير .
5 ) عناصر التجربة :
أ) الوجدان :
وتسمى الشعور ، الإحساس ، الانفعال ، العاطفة ، الصدق الفنى وهو مجموعة الانفعالات التى خضع الشاعر لسيطرتها.
ب ) الفكر :
ويسمى موضوع الأبيات أو المعانى التى ساقها الشاعر . وهو الموضوع العام وما يندرج تحته من أفكار جزئية .
جـ ) الصورة التعبيرية أو الصياغة الشعرية :
وهى التى تتمثل فى الألفاظ والعبارات والصور والأخيلة
والموسيقى والتى تتعاون مع بعضها فى التعبير عن أفكار الشاعر وأحاسيسه .
أولاً : الوجدان
1 ) الوجدان :
هو انفعال الشاعر بالتجربة وأحاسيسه النفسية من سخط أو حزن أو ألم أو حيرة ، ويشترك فى الوجدان "الصدق الشعورى" لأنه أساس الجودة فى التجربة وإلا تحولت إلى نظم دون شعور . والوجدان يكسب التجربة ذاتيتها وروحها ويمنحها حيوية الأداء وقوة التأثير .
2 ) اختلاف الوجدان :
يختلف نوع الوجدان بين شاعرين أمام مشهد واحد
فحين نقرأ المساء لمطران نحس معه الحزن والكآبة والتشاؤم حتى أن كل مشاهد الطبيعة من حوله حزينة عابسة .
وحين نقرأ المساء لإيليا نراه متفائلاً سعيداً يدعو المتشائمين إلى أن ينظروا لى الطبيعة الجميلة الساحرة فى قوله :
أصغى إلى صوت الجداول
واستنشقى الأزهار فى
وتمتعى بالشهب في
جاريات فى السفوح
الجنات ما دامت تفوح
الأفلاك ما دامت تلوح
من هنا نرى أن الشعر الجيد نتاج الفكر والوجدان معاً .
دور الوجدان :
يتمثل فى أنه يعطى للتجربة ذاتيتها وروحها .
ملحوظة مهمة
إليك بعض المشاعر الإنسانية للاهتداء بها فى معرفة عاطفة الشاعر :
الأسى والحزن والألم والمرارة l الفرحة والبهجة والسعادة الغامرة
l الفخر والزهو l الشوق الحنين l التحسر والضيق والسخط l
الإعجاب وإظهار الاعتزاز l التفاؤل والأمل l التشاؤم والاستسلام لليأس
l التحدى والعزم l التهكم والسخرية l الإيمان بالوطن وحبه
ثانياً : الفكرة
1 ) الفكرة فى التجربة الشعرية عنصر جوهرى ،
ويشترط لجودته :
عمق ونفاذ النظرة بها إلى ما وراء المظاهر الحسية .
وأن تكون الفكرة ممتزجة بالعاطفة ومصورة من خلال الوجدان ، لأن الشاعر لا ينقل الحياة نقلاً مباشراً ولأن
الشعرَ نتاج الفكر والوجدان معاً فالفكر يعطى التجربة الموضوعية والدقة ، والوجدان يعطيها الذاتية والروح.
2 ) أثر امتزاج الفكرة بالعاطفة :
يختلف شاعر عن شاعر فى التعبير عن حقيقة واحدة نتيجة اختلاف أحاسيسه الوجدانية
كما فى قصيدتى "المساء" لمطران وإيليا أبو ماضى .
إذا امتزجت الفكرة بالعاطفة انتقلت التجربة من الحدود الذاتية المقيدة بالشاعر وزمانه ومكانه إلى الآفاق الإنسانية العامة التى تجاوز حدود الزمان والمكان ، وبذلك تكتسب التجربة الخلود .
إذا كانت التجربة فكراً خالصاً فقدت روح الشعر وحرارته وصارت فكراً جافاً يخاطب العقل ، ولا يحرك الإحساس ، وحين ننتهى من قراءتها لا تترك فينا أثراً ولا يعلق بذهننا شىء منها ،
هذا ما نراه فى شعر الحِكم والأمثال يقول الشاعر
ربابة ربة البيت
لها عشر دجاجات
تصب الخل فى الزيت
وديك حسن الصوت
شعر لا يعبر عن حقيقة محددة أرادها الشاعر،وإنما هو شعور صوره الشاعر لأنه يلائم شخصية ونفسية جاريته (ربابة)
دور الفكر فى التجربة : يتمثل فى أنه يضمن لها عنصر الدقة والموضوعية ، ويساعد على تنسيق الخواطر والصور
ثالثاً : الصور التعبيرية
تتكون من :
أ ) الألفاظ العبارات ب) الصور والأخيلة جـ ) الموسيقى .
? أ ) الألفاظ والعبارات :
الشعر هو الفن الوحيد الذى تلتقى فيه الفنون الجميلة ، ففيه من الأدب فن الكلمة ، ومن الموسيقى إيقاع النغم ، ومن النحت : تجسيم المعانى ، ومن الرسم تصوير المواقف الشعرية .
واللفظ هو مادة التعبير وهو الأداة الساحرة التى ينقل بها الشاعر إلينا فكره ووجدانه
والشاعر لا يختار لفظته ، ولا يصوغها مع غيرها عفواً ، وإنما يختارها ويصوغها مع غيرها ، ليكسبها هذه الطاقة الفنية من المشاعر والدلالات التى تعطيها قيمتها وحياتها وأثرها فى نقل التجربة ، ومن هنا تختلف الدلالة التى تحملها اللفظة فى المعجم عن دلالتها فى التجربة الشعرية ، فهى فى المعجم تدل على معنى كلى عام ، ولكنها فى التجربة الشعرية قطعة من نفس الشاعر ، تحمل ملامح فكره وروحه ودنياه ، لذلك فليست هناك ألفاظ شعرية وأخرى غير شعرية بل يكتسب اللفظ شاعريته من تناسقه مع الجو النفسى ومن جمال وقعه فى موضعه .
يقول إيليا أبو ماضى :
نسى الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيهاً وعربد
وكسا الخز جسمه فتباهىوحوى المال كيسه فتمرد
فكلمة "طين" تبدو غير شاعرية وتدل فى المعجم على تلك المادة الترابية المبللة بالماء ، يحاول الإنسان إزالتها إن لصقت بثيابه أو جسمه .
ولكن "إيليا" استخدمها فى مجال حث المتكبر على التواضع ببيان أصله فحمّلها من الدلالات والإيحاءات ما لا تغنى فيها لفظة أخرى فى مجالها ، فوقعت أجمل موقع .
? ب) الصور والأخيلة :
عنصر التصوير له أثره القوى فى نقل فكرة الشاعر وعاطفته ، نقلاً قوياً لذلك يقال : إن الشاعر أفكارهٌ مصورة".
? أنواع التصوير :
1 – الصورة الكلية "اللوحة الفنية" :
وهى الصورة الشعرية المكتملة المتسعة على امتداد الأبيات وهى تتكون من مجموعة متآلفة من الصور الجزئية تعرض لوحة متكاملة الأجزاء لمعنى من المعانى أو مشهد من المشاهد ، ولها خطوط فنية تتمثل فى اللون والصوت والحركة .
2 – الصورة الجزئية :
منها ما يعتمد على الخيال الجزئى من تشبيه أو استعارة أو كناية ومنها ما يعتمد على الواقع والدلالات التصويرية للألفاظ .
3 – الخيال الشعرى : هو الذى قام على إدراك الشاعر للأشياء إدراكاً عميقاً وتعاطفه واندماجه فيها ، حتى نراه يخلع على الأشياء صفات ليست لها فى حكم العقل ، ولكنها مستمدة من روحها وجوهرها .
جـ ) الموسيقــــــا :
الشعر موسيقا ذات أفكار وذلك لأن الشعر هو لغة التعبير عن العاطفة . والموسيقا هى أقرب الوسائل المؤثرة فى العاطفة . فتبعث المتعة فى نفس القارئ والسامع من أقرب طريق .
أنواع الموسيقى :
1 ) الموسيقى الظاهرة " الخارجية " تقوم على :
أ ) حركة الوزن ب ) إيقاع القافية
جـ ) المحسنات اللفظية . جناس – طباق – حسن تقسيم – ازدواج .
يقول مطران : متفرد بصبابتى متفرد بكآبــــ ـــتى متفرد بعنائى
فى البيت حسن تقسيم .
والتصريع : اتفاق الروى آخر حرف صحيح فى البيت وإليه تنسب القصيدة فى شطرى البيت الأول مثل :
اختلاف النهار والليل ينسى اذكرا لى الصبا وأيام أنسى
2 ) الموسيقا الخفية :
وهى التى تدركها النفس وتؤثر فيها داخلياً وهى تنبع من :
1 – إيحاء الألفاظ 2 – ترابط الأفكار وترتيبها
3 – روعة التصوير 4 – العاطفة الصادقة .
شروط جودة القافية :
1 – تتفق مع موضوع القصيدة
2 – أن تلائم الجو النفسى .
3 – أن توافق قواعد اللغة
4 – أن تتلاءم مع موسيقى الأبيات .
5 – ألا يكون قبلها كلمة أقوى منها أدت المعنى .
الوحدة العضوية.
مفهومها : المقصود بالوحدة العضوية أن تكون القصيدة بنية حيّة متكاملة وليست قطعاً متناثرة يجمعها إطار واحد أو هى تماسك القصيدة فى ترابط فكرى وشعورى تتصل به أجزاؤها اتصالاً عضوياً دون تناقص أو تنافر وهى بهذا المفهوم تشمل :
1 ) وحدة الموضوع
2 ) وحدة الجو النفسى .
? أما إذا انتقل الشاعر من جو نفسى إلى جو نفسى آخر ليس بينهما ارتباط فقد انعدمت وحدة الجو النفسى وبالتالى ضاعت الوحدة الفنية أو الوحدة العضوية .
قال شوقى يصف قصر أنس الوجود :
قف بتلك القصور فى اليم غرقى ممسكاً بعضها من الذعر بعضاً
كعذارى أخفين فى الماءِ بضّاً سابحات به وأبدين بضا
فالصورة فى البيت الأول تثير الشعور بالخوف ولأسى والألم من مشهد الغرق واضطراب الغرقى .
والصورة فى البيت الثانى توحى بشعور الخفة والمرح والسرور من مشهد الفتيات البكر الجميلات السابحات فى البحر بأجسامهن الجميلة تحت الماء وعلى سطحه . وليس بين الصورتين فى البيتين توافق وتناسق .
تتابع الأفكار والصور بحيث تؤدى كل فكرة أو صورة وظيفتها الحيوية فى بناء التجربة وتعد الوحدة العضوية من مظاهر التجديد فى شعرنا العربى الحديث تمسكت بها الرومانسية والمدرسة الجديدة وواضح أن هذه الوحدة الفنية تؤكد على صدق تجربة الشاعر .
وأننا لا نستطيع أن نزيد أو ننقص ولو كلمة غير ما اختاره الشاعر فالوحدة العضوية هى التى تجعل القصيدة خلقاً متكاملاً أو صورة فنية حيّة تؤدى إلى الإقناع والإمتاع وهذا هو هدف العمل الأدبى بصفة عامة والشعر بصفة خاصة .
التعبير عن الأفكار من خلال إقناع وإمتاع عن امتزاج فكر بوجدان عقل وعاطفة يسيران فى خطين متوازيين
1 ) مفهوم التجربة الشعرية :
هى الخبرة النفسية للشاعر حين يمر بموقف ما أو يواجه موضوعاً ما (موضوع التجربة) فيتأثر به ويندمج فيه بعاطفته وفكره مستغرقاً متأملاً ويعبر عنه بالإطار الشعرى الملائم له ولمّا كان التعبير بالشعر سميت التجربة شعرية .
2 ) أنواع التجربة :
أ ) تجربة ذاتية : وفيها يطيل الشاعر التأمل فى عالمه الخاص به هو
مثل قصيدة "المساء لمطران" و "صخرة الملتقى" لناجى و "الشاعر وصورة الكمال" لعبد الرحمن شكرى .
ب) تجربة عامة "إنسانية" : وهى التى ينتقل الشاعر فيها من إطار عالمه الخاص إلى العالم المحيط به والذى يرتبط به مادياً أو معنوياً أو روحياً
مثل : "كم تشتكى" لإيليا أبو ماضى و "النسور" لمحمد إبراهيم أبو سنة .
جـ) ذاتية تحولت إلى عامة : وهى التى ينفعل فيها الشعر بحدث معين ثم تقوى عاطفته ويشاركه الآخرون ،
مثل قصيدة " غربة وحنين " لشوقى .
3 ) موضوع التجربة :
موضوعات التجربة الشعرية ومجالاتها متعددة .
قد يكون موضوعاً إنسانياً عاماً كمشاهدة الطبيعة ، والقيم الإنسانية الخالدة كالكفاح والحرية .
قد يكون شيئاً ذاتياً عاناه الشاعر بنفسه .
قد يكون أمراً عادياً كالزهرة الذابلة أو الفراشة الهائمة .
قد يستمد الشاعر موضوع التجربة مما يدور حوله فى الحياة السياسية والاجتماعية
قد يستمده من عالم الخيال البعيد عن الواقع
مثل قصيدة الشاعر وصورة الكمال لعبد الرحمن شكرى .
4 ) الصدق فى التجربة :
وهو أن يكون الشاعر صادق الانفعال فى تجربته ، وأن يعبر عما فى نفسه حتى يأتى شعره تعبيراً عن ذاته لا تقليداً لغيره ، والصدق الفنى يمنح الشاعر حيوية الأداء وحرارة العاطفة وقوة التأثير .
5 ) عناصر التجربة :
أ) الوجدان :
وتسمى الشعور ، الإحساس ، الانفعال ، العاطفة ، الصدق الفنى وهو مجموعة الانفعالات التى خضع الشاعر لسيطرتها.
ب ) الفكر :
ويسمى موضوع الأبيات أو المعانى التى ساقها الشاعر . وهو الموضوع العام وما يندرج تحته من أفكار جزئية .
جـ ) الصورة التعبيرية أو الصياغة الشعرية :
وهى التى تتمثل فى الألفاظ والعبارات والصور والأخيلة
والموسيقى والتى تتعاون مع بعضها فى التعبير عن أفكار الشاعر وأحاسيسه .
أولاً : الوجدان
1 ) الوجدان :
هو انفعال الشاعر بالتجربة وأحاسيسه النفسية من سخط أو حزن أو ألم أو حيرة ، ويشترك فى الوجدان "الصدق الشعورى" لأنه أساس الجودة فى التجربة وإلا تحولت إلى نظم دون شعور . والوجدان يكسب التجربة ذاتيتها وروحها ويمنحها حيوية الأداء وقوة التأثير .
2 ) اختلاف الوجدان :
يختلف نوع الوجدان بين شاعرين أمام مشهد واحد
فحين نقرأ المساء لمطران نحس معه الحزن والكآبة والتشاؤم حتى أن كل مشاهد الطبيعة من حوله حزينة عابسة .
وحين نقرأ المساء لإيليا نراه متفائلاً سعيداً يدعو المتشائمين إلى أن ينظروا لى الطبيعة الجميلة الساحرة فى قوله :
أصغى إلى صوت الجداول
واستنشقى الأزهار فى
وتمتعى بالشهب في
جاريات فى السفوح
الجنات ما دامت تفوح
الأفلاك ما دامت تلوح
من هنا نرى أن الشعر الجيد نتاج الفكر والوجدان معاً .
دور الوجدان :
يتمثل فى أنه يعطى للتجربة ذاتيتها وروحها .
ملحوظة مهمة
إليك بعض المشاعر الإنسانية للاهتداء بها فى معرفة عاطفة الشاعر :
الأسى والحزن والألم والمرارة l الفرحة والبهجة والسعادة الغامرة
l الفخر والزهو l الشوق الحنين l التحسر والضيق والسخط l
الإعجاب وإظهار الاعتزاز l التفاؤل والأمل l التشاؤم والاستسلام لليأس
l التحدى والعزم l التهكم والسخرية l الإيمان بالوطن وحبه
ثانياً : الفكرة
1 ) الفكرة فى التجربة الشعرية عنصر جوهرى ،
ويشترط لجودته :
عمق ونفاذ النظرة بها إلى ما وراء المظاهر الحسية .
وأن تكون الفكرة ممتزجة بالعاطفة ومصورة من خلال الوجدان ، لأن الشاعر لا ينقل الحياة نقلاً مباشراً ولأن
الشعرَ نتاج الفكر والوجدان معاً فالفكر يعطى التجربة الموضوعية والدقة ، والوجدان يعطيها الذاتية والروح.
2 ) أثر امتزاج الفكرة بالعاطفة :
يختلف شاعر عن شاعر فى التعبير عن حقيقة واحدة نتيجة اختلاف أحاسيسه الوجدانية
كما فى قصيدتى "المساء" لمطران وإيليا أبو ماضى .
إذا امتزجت الفكرة بالعاطفة انتقلت التجربة من الحدود الذاتية المقيدة بالشاعر وزمانه ومكانه إلى الآفاق الإنسانية العامة التى تجاوز حدود الزمان والمكان ، وبذلك تكتسب التجربة الخلود .
إذا كانت التجربة فكراً خالصاً فقدت روح الشعر وحرارته وصارت فكراً جافاً يخاطب العقل ، ولا يحرك الإحساس ، وحين ننتهى من قراءتها لا تترك فينا أثراً ولا يعلق بذهننا شىء منها ،
هذا ما نراه فى شعر الحِكم والأمثال يقول الشاعر
ربابة ربة البيت
لها عشر دجاجات
تصب الخل فى الزيت
وديك حسن الصوت
شعر لا يعبر عن حقيقة محددة أرادها الشاعر،وإنما هو شعور صوره الشاعر لأنه يلائم شخصية ونفسية جاريته (ربابة)
دور الفكر فى التجربة : يتمثل فى أنه يضمن لها عنصر الدقة والموضوعية ، ويساعد على تنسيق الخواطر والصور
ثالثاً : الصور التعبيرية
تتكون من :
أ ) الألفاظ العبارات ب) الصور والأخيلة جـ ) الموسيقى .
? أ ) الألفاظ والعبارات :
الشعر هو الفن الوحيد الذى تلتقى فيه الفنون الجميلة ، ففيه من الأدب فن الكلمة ، ومن الموسيقى إيقاع النغم ، ومن النحت : تجسيم المعانى ، ومن الرسم تصوير المواقف الشعرية .
واللفظ هو مادة التعبير وهو الأداة الساحرة التى ينقل بها الشاعر إلينا فكره ووجدانه
والشاعر لا يختار لفظته ، ولا يصوغها مع غيرها عفواً ، وإنما يختارها ويصوغها مع غيرها ، ليكسبها هذه الطاقة الفنية من المشاعر والدلالات التى تعطيها قيمتها وحياتها وأثرها فى نقل التجربة ، ومن هنا تختلف الدلالة التى تحملها اللفظة فى المعجم عن دلالتها فى التجربة الشعرية ، فهى فى المعجم تدل على معنى كلى عام ، ولكنها فى التجربة الشعرية قطعة من نفس الشاعر ، تحمل ملامح فكره وروحه ودنياه ، لذلك فليست هناك ألفاظ شعرية وأخرى غير شعرية بل يكتسب اللفظ شاعريته من تناسقه مع الجو النفسى ومن جمال وقعه فى موضعه .
يقول إيليا أبو ماضى :
نسى الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيهاً وعربد
وكسا الخز جسمه فتباهىوحوى المال كيسه فتمرد
فكلمة "طين" تبدو غير شاعرية وتدل فى المعجم على تلك المادة الترابية المبللة بالماء ، يحاول الإنسان إزالتها إن لصقت بثيابه أو جسمه .
ولكن "إيليا" استخدمها فى مجال حث المتكبر على التواضع ببيان أصله فحمّلها من الدلالات والإيحاءات ما لا تغنى فيها لفظة أخرى فى مجالها ، فوقعت أجمل موقع .
? ب) الصور والأخيلة :
عنصر التصوير له أثره القوى فى نقل فكرة الشاعر وعاطفته ، نقلاً قوياً لذلك يقال : إن الشاعر أفكارهٌ مصورة".
? أنواع التصوير :
1 – الصورة الكلية "اللوحة الفنية" :
وهى الصورة الشعرية المكتملة المتسعة على امتداد الأبيات وهى تتكون من مجموعة متآلفة من الصور الجزئية تعرض لوحة متكاملة الأجزاء لمعنى من المعانى أو مشهد من المشاهد ، ولها خطوط فنية تتمثل فى اللون والصوت والحركة .
2 – الصورة الجزئية :
منها ما يعتمد على الخيال الجزئى من تشبيه أو استعارة أو كناية ومنها ما يعتمد على الواقع والدلالات التصويرية للألفاظ .
3 – الخيال الشعرى : هو الذى قام على إدراك الشاعر للأشياء إدراكاً عميقاً وتعاطفه واندماجه فيها ، حتى نراه يخلع على الأشياء صفات ليست لها فى حكم العقل ، ولكنها مستمدة من روحها وجوهرها .
جـ ) الموسيقــــــا :
الشعر موسيقا ذات أفكار وذلك لأن الشعر هو لغة التعبير عن العاطفة . والموسيقا هى أقرب الوسائل المؤثرة فى العاطفة . فتبعث المتعة فى نفس القارئ والسامع من أقرب طريق .
أنواع الموسيقى :
1 ) الموسيقى الظاهرة " الخارجية " تقوم على :
أ ) حركة الوزن ب ) إيقاع القافية
جـ ) المحسنات اللفظية . جناس – طباق – حسن تقسيم – ازدواج .
يقول مطران : متفرد بصبابتى متفرد بكآبــــ ـــتى متفرد بعنائى
فى البيت حسن تقسيم .
والتصريع : اتفاق الروى آخر حرف صحيح فى البيت وإليه تنسب القصيدة فى شطرى البيت الأول مثل :
اختلاف النهار والليل ينسى اذكرا لى الصبا وأيام أنسى
2 ) الموسيقا الخفية :
وهى التى تدركها النفس وتؤثر فيها داخلياً وهى تنبع من :
1 – إيحاء الألفاظ 2 – ترابط الأفكار وترتيبها
3 – روعة التصوير 4 – العاطفة الصادقة .
شروط جودة القافية :
1 – تتفق مع موضوع القصيدة
2 – أن تلائم الجو النفسى .
3 – أن توافق قواعد اللغة
4 – أن تتلاءم مع موسيقى الأبيات .
5 – ألا يكون قبلها كلمة أقوى منها أدت المعنى .
الوحدة العضوية.
مفهومها : المقصود بالوحدة العضوية أن تكون القصيدة بنية حيّة متكاملة وليست قطعاً متناثرة يجمعها إطار واحد أو هى تماسك القصيدة فى ترابط فكرى وشعورى تتصل به أجزاؤها اتصالاً عضوياً دون تناقص أو تنافر وهى بهذا المفهوم تشمل :
1 ) وحدة الموضوع
2 ) وحدة الجو النفسى .
? أما إذا انتقل الشاعر من جو نفسى إلى جو نفسى آخر ليس بينهما ارتباط فقد انعدمت وحدة الجو النفسى وبالتالى ضاعت الوحدة الفنية أو الوحدة العضوية .
قال شوقى يصف قصر أنس الوجود :
قف بتلك القصور فى اليم غرقى ممسكاً بعضها من الذعر بعضاً
كعذارى أخفين فى الماءِ بضّاً سابحات به وأبدين بضا
فالصورة فى البيت الأول تثير الشعور بالخوف ولأسى والألم من مشهد الغرق واضطراب الغرقى .
والصورة فى البيت الثانى توحى بشعور الخفة والمرح والسرور من مشهد الفتيات البكر الجميلات السابحات فى البحر بأجسامهن الجميلة تحت الماء وعلى سطحه . وليس بين الصورتين فى البيتين توافق وتناسق .
تتابع الأفكار والصور بحيث تؤدى كل فكرة أو صورة وظيفتها الحيوية فى بناء التجربة وتعد الوحدة العضوية من مظاهر التجديد فى شعرنا العربى الحديث تمسكت بها الرومانسية والمدرسة الجديدة وواضح أن هذه الوحدة الفنية تؤكد على صدق تجربة الشاعر .
وأننا لا نستطيع أن نزيد أو ننقص ولو كلمة غير ما اختاره الشاعر فالوحدة العضوية هى التى تجعل القصيدة خلقاً متكاملاً أو صورة فنية حيّة تؤدى إلى الإقناع والإمتاع وهذا هو هدف العمل الأدبى بصفة عامة والشعر بصفة خاصة .
التعبير عن الأفكار من خلال إقناع وإمتاع عن امتزاج فكر بوجدان عقل وعاطفة يسيران فى خطين متوازيين